تفسير سفر راعوث
. سفر راعوث يأتى بين سفرى القضاة وصموئيل اللذين كثرت فيهما الحروب والدماء والعصيان والتأديب. وسفر راعوث يأتى بطريقة عجيبة بينهما فلا نجد فيه حروب ولا عداءات بل محبة وأشخاص يحيون فى بساطة وحب لله وطاعة لهُ. هو سفر يثبت أن هناك 7000 ركبة لم تنحنى لبعل وأن الله لا يبقى نفسه بلا شاهد. والانتقال من سفر القضاة إلى سفر راعوث هو إنتقال من عالم الحرب إلى بيت السلام، هو إنتقال من العالم المملوء إضطراباً إلى الكنيسة المملوءة محبة وسلام. فالله قادر وسط هذا العالم المملوء إضطراباً أن يحفظ أولاده فى سلام يفوق كل عقل. وفى الكنيسة نتقابل مع المسيح عريس نفوسنا كما تقابلت راعوث مع بوعز عريسها.
2. تقليد اليهود يذكر أن كاتب السفر هو صموئيل النبى وهذا صحيح فمن سجل قصة داود أى صموئيل النبى يكتب قصة راعوث ليكمل نسب داود.
3. وقعت أحداث قصة راعوث فى عصر القضاة وهناك رأيين فى زمان الأحداث:-
أ. الرأى الأول يقول أن الأحداث حدثت فى زمان جدعون وأن المجاعة المذكورة هى التى حدثت نتيجة ظلم المديانيين ولو صح هذا يكون سلمون زوج راحاب قد وَلَدَ بوعز فى زمان بعيد عن أيام عوبيد والد يسى أبو داود. إلاّ لو كان هناك أسماء ساقطة لم تذكر ولكن (مت 1: 5) يذكر صراحة أن سلمون ولد بوعز من راحاب فيكون سلمون المذكور هنا فى (را 4: 21) هو زوج راحاب.
ب. يرى يوسيفوس أن راعوث عاشت فى أيام عالى الكاهن وفى جدول الأوقات التالى محاولة لحل المشكلة إفترضنا فيها أن سلمون ولد بوعز وعمره 60 سنة. وبوعز ولد عوبيد وعمره60 سنة وعوبيد ولد يسى وعمره 60 سنة ويسى ولد داود وعمره 60 سنة وبهذا يصبح إفتراض يوسيفوس بعيداً ويكون الإقتراح الأول أقرب للصحة.
ولادة سلمون 1325
دخول أرض الميعاد................
ولادة بوعز من راحاب 1265
ولادة عوبيد من راعوث 1205
1167 بدء قضاء عالى الكاهن
ولادة يسى 1145
1137 دعوة صموئيل وعمره 12 سنة
1127 موت عالى
1085 ولادة داود
1065 مسح داود ملكاً
1055 موت شاول
وبهذا الإقتراح تصبح فترة القضاة حوالى 200 سنة وهذا يتعارض مع قول يفتاح بأن لهم 300 سنة فى الأرض. ويفتاح غالباً كان معاصراً لعالى الكاهن. وحل المشكلة أن الكتاب أسقط إسم أو إسمين ما بين عوبيد ويسى. وهذا يحدث كثيراً فى الكتاب المقدس.
4. موآب بأوثانه وعبادته الوثنية يشير للشيطان، خصوصاً للعداوة الشديدة من موآب لشعب الله. ومن وسط موآب تخرج راعوث لترجع إلى الله أبيها. فراعوث الأممية إغتصبت نصيباً فى شعب الله فحسبت رمزاً لكنيسة الأمم.
5. سفر راعوث هو السفر الوحيد الذى سمى بإسم إمرأة أممية فى الكتاب المقدس نظراً للرتبة الفائقة التى بلغت إليها راعوث، التى صارت أماً للمسيح الأمر الذى كانت المؤمنات جميعاً يشتهين إياه. كما حُسِبَت رمزاً لكنيسة الأمم عروس المسيح القادمة من موآب إلى بيت لحم. لقد جرى دمها وهى أممية فى عروق مخلص العالم.
6. فى عصر القضاة رأينا إنحراف اليهود الشديد للوثنية، وهذا السفر يعلن أن لله بقية باقية له بين الأمم تتمسك بالإيمان به بلا مطمع أرضى أو شهوة جسدية.
7. سفر راعوث هو سفر الحصاد وفيه أُعْلِنَ دخول الأمم للإيمان فى شخص راعوث التى كانت تطلب السنابل الساقطة فحملت فى نسلها المسيح حبة الحنطة (يو 12: 24) التى تقع فى الأرض لتأتى بثمر وحصاد كثير (قيلت هذه الآية عن دخول اليونانيين الإيمان).
8. أهمية السفر أنه إحتفظ لنا بنسب السيد المسيح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونجد فى نسبه البشرية كلها يهوداً وأمماً. ونلاحظ فى نسب المسيح 3 نساء وهم ثامار الكنعانية وراحاب الكنعانية وراعوث الموآبية فالمسيح أخذ لنفسه طبيعة كل البشر وليس طبيعة اليهود فقط.
9. سفر راعوث سجل لنا أداب المخاطبة الروحية الرائعة والحوار المهذب الرائع بين راعوث وحماتها وبين نعمى وكنتها وبين راعوث وبوعز وبين بوعز وحصاديه.
10. نجد فى السفر بعض تقاليد اليهود وعاداتهم.
11. يشرح لنا السفر بركات الله المعطاة لراعوث التى إهتمت بحماتها.
12. نعمى السيدة اليهودية التى تتمتع بالناموس والآنبياء وحصلت على الخلاص بل هى فى أرض الميعاد فى وقت الضيق تركت أرض الميعاد لتذهب للحياة السهلة فى موآب وإذ بها تخسر كل شئ فى أرض موآب زوجها وأولادها. هذه صورة للمسيحى الذى حصل على الخلاص، وفى وقت الضيق أو وقت الرخاء يترك المسيح (الخارج من سبط يهوذا) ليحيا فى العالم السهل فتخسر هذه النفس كل شئ. هى تمثل النفس التى تذوقت نعمة الله ثم عادت وجحدته لتشبع من العالم (عب 6: 4-
. بينما راعوث التى نشأت فى أرض موآب حيث الخطية والوثنية إذ تسمع عن الإله الحى تخرج بالإيمان إلى بيت لحم لتتزوج بوعز ويأتى من نسلها المسيح. وحتى الآن فكثيرين من شعب الله يتركونه وينكرون الإيمان فيخسرون كل شئ وكثيرون ممن هم من خارج يسمعون عن المسيح فيؤمنون. فالمسيح جاء لسقوط وقيام كثيرين (لو 2: 34) تسقط نعمى المستهترة بنعمة الله وتقوم راعوث الموآبية بإيمانها الحى به.